يخوض العونيّون مواجهة صامتة مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، على خلفية ملفَي التشكيلات الأمنية، و«الاستثناءات» أو الموافقات التي يمنحها المدير العام لبعض أعمال البناء في المناطق. ووصلَ الأمر الى حدّ مُعايَرته بارتكاب مخالفات قانونية على «عَينَك يا تاجر»!
قبل أيام أطلق «التيار الوطني الحر»، عبر محطة «أو. تي. في»، إتهامات صريحة لعثمان بـ«مخالفة القانون وإطاحة مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وجعل نفسه الآمر الناهي في التشكيلات»، معتبراً أنّ قراره بتمديد أمر فَصل الضباط خلافاً لرغبة مجلس القيادة «يضرب الميثاقية في توزيع المواقع بين الطوائف».
كذلك، وجّه نائب عكار في «التيار» أسعد درغام الى عثمان تهديداً مباشراً بأنّ استمرار الوضع على ما هو عليه داخل المؤسسة «سيؤدّي الى تعطيل مجلس القيادة وتجميد ملف التطويع، لأنّ المجلس لن يجتمع مجدداً سوى لبَتّ المناقلات»، مشيراً الى وجود «نيّات مسبقة لتثبيت سياسة الاستئثار بالمواقع لفئة معينة».
لكن يبدو أنّ «مَشكل» النائب العوني مع عثمان لا يقف فقط عند أمر نقل الضبّاط والتشكيلات «الميثاقية»، إذ انّ «الموافقات» التي يمنحها عثمان لأعمال بناء أو ترميم وحفر آبار في المناطق تحوّلت نقمة عليه، ووصلت الى حد إصدار درغام بياناً هجومياً ضد المديرية العامة لقوى الامن الداخلي «بتغطية مخالفات البناء العشوائية غير الخاضعة لأيّ شروط وتسويات أمنية تسمح بإنشاء أبنية بالتراضي»، واصفاً ما يحصل بـ«الأمر الخطير الذي لم يحصل في تاريخ الدولة اللبنانية»، مُلوّحاً «بالاعتراض أمام مجلس شورى الدولة».
هكذا، مع شعور العونيين أنّ عثمان لا يجاريهم في كل طلباتهم، إنتقل الكباش الى مستوى أعلى: المطالبة بسحب هذه الصلاحية، التي لا يجيزها القانون، من يد المدير العام وإعادتها الى «أصحاب الاختصاص»، أي البلديات واتحاد البلديات والتنظيم المدني... الأمر الذي سيؤدي، في رأيهم، أوّلاً الى دخول رسوم الى خزينة الدولة والبلديات مجدداً، وثانياً لأنّ مهمّة قوى الأمن هي ضبط المخالفات وليس تكريسها و«تعميمها».
قبل أسابيع إشتكى درغام صراحة لدى وزير الداخلية نهاد المشنوق بسبب تساهل عثمان في غَضّ النَظر ومنح استثناءات لقريبين من تيار «المستقبل» في عكار، على حساب آخرين.
شكوى درغام لها مسبّب إضافي، حيث طلب الأخير منذ أكثر من شهر «موافقة» من اللواء لترميم سقف كنيسة بمساحة 70 متراً مربعاً في بلدة بَينو العكارية في أملاك الدير، لكنّ مكتب المدير العام لم يتجاوب. مع ذلك، أوعَز درغام الى المسؤولين في الكنيسة المباشرة «بالشغل» الى حين الحصول على الموافقة، فكانت دورية قوى الأمن بالمرصاد.
لجأ درغام الى قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، فوصلَ الجواب عبر قائد منطقة الشمال في قوى الامن برفض «اللواء» حتى الآن منح «الموافقة». وقد تبيّن لاحقاً أنّ النائب هادي حبيش طلب بدوره «الموافقة» من عثمان على ترميم سقف الكنيسة، وكحَلّ وسط، قرّر حجب توقيعه عن الاثنين لكي لا يُتّهَم بـ«تَنفيع» نائب على حساب آخر.
ووفق مُطّلعين، شدّد عثمان على أن يأتي الطلب مباشرة من المسؤولين في الكنيسة لتتمّ الموافقة عليه، وهذا ما حصل فعلاً، فأذِنَ بالترميم. وتفيد المعطيات أنّ المدير العام يطلب من نائب عكار ما يشبه الاعتذار لتهجّمه غير المبرّر عليه، والذي أدى الى انقطاع التواصل بينهما.
كما أنّ عثمان، وفق العارفين، مُتساهِل جداً بإعطاء موافقات في ما يخصّ الأماكن الدينية من كافة الطوائف، لكن ضمن الأصول وعلى أن يُقَدّم الطلب بشكل لائق وليس على «طريقة» النائب درغام.
خط التنسيق التنفيذي بين العونيين والمديرية لا يزال قائماً حالياً من خلال مسؤول المراجعات مع قوى الامن الداخلي و«أمن الدولة» في «التيار الوطني الحر» جوزف صليبا، الذي التقى عثمان منذ نحو أسبوعين وبحث معه مجدداً في موضوع تشكيلات قوى الأمن وملف «الموافقات».
يحصل هذا في ظلّ غطاء سياسي كامل يوفّره رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل لتحريك ملفَي التشكيلات و«الموافقات» وعدم السكوت عنهما، لكن من دون إحداث مواجهة مباشرة مع «الأصيل»، أي الرئيس المكلّف سعد الحريري.
يقول صليبا: «بحثنا في موضوع الشراكة من خلال ضرورة إعادة صلاحية التعيينات الى مجلس القيادة، وإصلاح الخلل في توزيع المراكز الاساسية في قوى الامن»، مضيفاً: «ليس لدينا أي مشكلة شخصية مع عثمان، ونتفهّم أنّ خَلفه «طائفة» ومرجعية سياسية، والبلد معروف أصلاً بتقسيماته الطائفية، لكننا نحتاج الى إشارة إيجابية منه في موضوع استكمال التشكيلات، وقد وعدنا خيراً، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية يلحّ على تحريك هذا الملف وبَتّه بالسرعة اللازمة».
وأكد «اننا نعترض بالمبدأ على صلاحية منح موافقات من جانب المدير العام ونطالب بإعادتها الى المرجعيات المختصة، مع العلم أنّ اللواء عثمان لا يُبدي تشدّداً بهذه الصلاحية بمقدار رغبته في خدمة الناس، وهذا ما قاله صراحة». يذكر أنّ هناك شبه توافق سياسي على تأجيل بَتّ التشكيلات داخل المديرية الى ما بعد ولادة الحكومة.
ويبدو، وفق المعلومات، أنّ أعضاء قادة الوحدات المسيحيون يجتمعون دورياً بدرغام وصليبا لأخذ التوجيهات منهم بإيعاز من باسيل، فيما لا يَجد الأخير الوقت الكافي للقائهم.
موافقات لحاجات «ملحّة»
وردّاً على الشكوى العونية من «الموافقات» يفيد مطلعون في «المديرية» بأنّ «الموافقات التي يمنحها عثمان هي «بسيطة» وتتعلّق بإجراء أعمال بناء أو حفر آبار إرتوازية في مناطق تنعَدم فيها «مياه الدولة»، ويضطر المواطن الى شراء المياه بمعدّل صهريج كل يومين»، لافتين الى أنّ «المدير العام يعطي الموافقات لكافة الاطراف السياسية من دون تمييز، مع العلم أنّ أكثر الذين يُثيرون ملف الموافقات، وتحديداً بعض قادة الوحدات في مجلس القيادة، هم أكثر من يطلبها من عثمان، في وقت أنّه حاول مراراً التخلّص من هذا العبء وسط رفض لمراجع عليا بذريعة عدم القدرة على ضبط الشارع».
ويقول هذا الفريق إنّ «إعطاء الموافقات ليس بالأمر الجديد، ودَرج عليه المدراء العامون السابقون بسبب عجز الوزارات المختصة عن تأمينها. ومثال على ذلك، طلب وزير الطاقة سيزار أبي خليل مؤخراً من عثمان «تكثيف» إعطاء «الموافقات» بحجة عدم تمكّنه من إعطاء رخص للمواطنين»!
ويشير الى أنّ قانون قوى الامن أناطَ مراقبة مخالفات البناء بقوى الامن بشكل مؤقت الى حين إنشاء بلديات، لكن منذ عام 1998، تاريخ إجراء أول انتخابات بلدية، عجزت معظم البلديات عن قمع مخالفات البناء بشكل فاضح.
خلل في الأمرة
وفي سياق آخر، يبدو انّ المذكرة التي أصدرها عثمان قبل نحو أسبوعين، وسبقت سفره الى أوروبا الشرقية في رحلة صيد، والتي عَدّل من خلالها التعليمات العسكرية بحيث ينوب عنه عند غيابه «الضابط الأعلى رتبة الذي يتبع للمدير العام»، قد أثارت بلبلة وخللاً في التعامل بين الضبّاط داخل المديرية.
فالمقصود بالبرقية تحديداً هو المفتش العام العميد جوزف كلّاس، الذي يخوض مواجهة مباشرة مع عثمان حول التشكيلات العسكرية و«استعادة» بعض المواقع في السلك لتصبح من حصة المسيحيين. وكَون المفتش العام يخضع لوزير الداخلية، فقد حرمته هذه المذكرة من ممارسة صلاحيات المدير العام بالوكالة عند غيابه.
عملياً، خلال سفر عثمان، تجاهَل كلّاس معاملات وصلت الى مكتبه من قائد القوى السيّارة العميد فؤاد خوري وتمنّع عن رفع البريد إليه، وذلك لأنّ خوري، الذي كان يمارس صلاحيات المدير العام بالوكالة بسبب سفر عثمان، أدنى رتبة من كلّاس، ما دفعَ الأخير الى تجاهل المعاملات الواردة من «المدير العام بالوكالة».
وقد تمكّن عثمان من «تَرييح» رأسه من «شغب» كلّاس و«تطويقه»، بسبب عدم وجود مرسوم كان يفترض، وفق نظام قوى الامن الداخلي، أن يصدر عن مجلس الوزراء وهو يحدّد العلاقة بين المدير العام والمفتش العام.
في النتيجة، أحدثت مذكرة عثمان إشكالية أدّت الى خلل في التعامل بين الضباط في المديرية، على قاعدة استحالة أن يعطي العميد المكلف مهمات المدير العام بالوكالة أوامر الى ضابط أعلى منه، أي المفتش العام. وهو واقع سيتكرّر في كلّ مرة يكون فيها المدير العام خارج البلاد، أو غائباً لأيّ سبب كان.
وتقول أوساط كلّاس «انّ المفتش العام عملانيّاً يتبع وزير الداخلية، لكن إدارياً يتبع المدير العام في كل المعاملات الخاصة بقطعته».
في المقابل تفيد معطيات أنّ «المفتش العام قامَ، وفي أكثر من مناسبة، بتحدّي عثمان من خلال التأكيد أنه ليس تابعاً له بل لرئيسه المباشر وزير الداخلية، وأنّ عثمان ليس لديه أي سلطة عليه، وأنّ علاقته بالمديرية محصورة بكونه عضواً في مجلس القيادة».
أمّا في يتعلّق بأزمة المراسلات الادارية، فالحلّ بسيط برأي الفريق المعارض لكلاس: فليأخذ توقيع وزير الداخلية على المذكرة المرضية أو المأذونية وسائر المعاملات الإدارية»!